سورة النحل - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{ويجعلون} يعني: المشركين {لما لا يعلمون} أَي: الأوثان التي لا علم لها {نصيباً مما رزقناهم} يعني: ما ذُكر في قوله: {وهذا لشركائنا} {تالله لتسألنَّ} سؤال توبيخٍ {عمَّا كنتم تفترون} على الله من أنَّه أمركم بذلك.
{ويجعلون لله البنات} يعني: خزاعة وكنانة، زعموا أنَّ الملائكة بنات الله، ثمَّ نزَّه نفسه فقال تعالى: {سبحانه} تنزيهاً له عمَّا زعموا {ولهم ما يشتهون} يعني: البنين، وهذا كقولهم: {أم له البنات...} الآية.
{وإذا بشر أحدهم بالأنثى} أُخبر بولادة ابنةٍ {ظلَّ} صار {وجهه مسودّاً} متغيِّراً تغيُّرَ مغتمٍّ {وهو كظيم} ممتلئ غمّاً.
{يتوارى} يختفي ويتغيب مقدّراً مع نفسه {أيمسكه على هون} أيستحييها على هوانٍ منه لها {أم يدسُّه} يخفيه {في التراب} فعل الجاهليَّة من الوأد {ألا ساء} بئس {ما يحكمون} أَيْ: يجعلون لمن يعترفون بأنَّه خالقهم البناتِ اللاتي محلهنَّ منهم هذا المحل: ونسبوه إلى اتِّخاذ الأولاد، وجعلوا لأنفسهم البنين.
{للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء} العذاب والنَّار {ولله المثل الأعلى} الإِخلاص والتَّوحيد، وهو شهادة أن لا إله إلاَّ الله.
{ولو يؤاخذ الله الناس} المشركين {بظلمهم} بافترائهم على الله تعالى {ما ترك عليها من دابة} يعني: أحداً من المشركين {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} وهو انقضاء عمرهم.


{ويجعلون لله ما يكرهون} لأنفسهم، وذلك هو البنات، أَيْ: يحكمون له به، {وتصف ألسنتهم الكذب} ثمَّ فسَّر ذلك الكذب بقوله: {أنَّ لهم الحسنى} أَي: الجنَّة والمعنى: يصفون أنَّ لهم مع قبح قولهم الجنَّة إن كان البعث حقّاً، فقال الله تعالى: {لا} أَيْ: ليس الأمر كما وصفوه {جرم} كسب قولهم هذا {أنَّ لهم النار وأنَّهم مُفرْطون} متروكون فيها. وقيل: مُقدَّمون إليها. وقوله: {فهو وليُّهم اليوم} يعني: يوم القيامة، وأُطلق اسم اليوم عليه لشهرته، وقوله: {لتبين لهم الذي اختلفوا فيه} أَيْ: تُبيِّن للمشركين ما ذهبوا فيه إلى خلاف ما يذهب إليه المسلمون، فتقوم الحجَّة عليهم ببيانك. وقوله: {وهدى} أَيْ: والهداية والرَّحمة للمؤمنين. وقوله: {والله أنزل} ظاهرٌ إلى قوله: {يسمعون} أَيْ: سماع اعتبار. يريد: إنَّ في ذلك دلالة على البعث.
{وإنَّ لكم في الأنعام لعبرة} لدلالةً على قدرة الله تعالى ووحدانيَّته {نسقيكم مما في بطونه من بين فرث} وهو سرجين الكرش {ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين} جائزاً في حلوقهم.
{ومن ثمرات} أَيْ: ولكم منها ما {تتخذون منه سكراً} وهو الخمر. نزل هذا قبل تحريم الخمر {ورزقاً حسناً} وهو الخلُّ والزَّبيب والتَّمرُ {إنَّ في ذلك لآية لقومٍ يعقلون} يريد: عقلوا عن الله تعالى ما فيه قدرته.
{وأوحى ربك إلى النخل} ألهمها وقذف في أنفسها {أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر} هي تتَّخذ لأنفسها بيوتاً إذا كانت لا أصحاب لها، فإذا كانت لها أرباب اتِّخذت بيوتها ممَّا تبني لها أربابها، وهو قوله: {ومما يعرشون} أَيْ: يبنون ويسقفون لها من الخلايا.
{ثمَّ كلي من كلِّ الثمرات فاسلكي سبل ربك} طرق ربِّك تطلب فيها الرَّعي {ذللاً} منقادة مُسخَّرة مطيعة {يخرج من بطونها شراب} وهو العسل {مختلف ألوانه} منه أحمر وأبيض وأصفر {فيه} في ذلك الشَّراب {شفاء للناس} من الأوجاع التي شفاؤها فيه.
{والله خلقكم} ولم تكونوا شيئاً {ثمَّ يتوفاكم} عند انقضاء آجالكم {ومنكم مَنْ يردُّ إلى أرذل العمر} وهو أردؤه، يعني: الهرم {لكيلا يعلم بعد علم شيئاً} يصير كالصبيِّ الذي لا عقل له. قالوا: وهذا لا يكون للمؤمنين؛ لأنَّ المؤمن لا ينزع عنه علمه وإن كبر {إنّ الله عليم} بما يصنع {قدير} على ما يريد.


{والله فضَّل بعضكم على بعض في الرزق} حيث جعل بعضكم يملك العبيد، وبعضكم مملوكاً {فما الذين فضلوا} وهم المالكون {برادي رزقهم} بجاعلي رزقهم لعبيدهم، حتى يكونوا عبيدهم معهم {فيه سواء} وهذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى للمشركين في تصييرهم عباد الله شركاء له، فقال: إذا لم يكن عبيدكم معكم سواء في الملك، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء؟ {أفبنعمة الله يجحدون} حيث يتَّخذون معه شركاء.
{والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً} يعني: النِّساء {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} يعني: ولد الولد {ورزقكم من الطيبات} من أنواع الثِّمار والحبوب والحيوان {أفبالباطل يؤمنون} يعني: الأصنام، {وبنعمة الله هم يكفرون} يعني: التَّوحيد.
{ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات} يعني: الغيث الذين يأتي من جهتها {والأرض} يعني: النَّبات والثِّمار {شيئاً} أَيْ: قليلاً ولا كثيراً {ولا يستطيعون} لا يقدرون على شيء.
{فلا تضربوا لله الأمثال} لا تشبِّهوه بخلقه، وذلك أنَّ ضرب المثل إنَّما هو تشبيه ذاتٍ بذاتٍ، أو وصفٍ بوصفٍ، والله تعالى منزَّه عن ذلك {إنَّ الله يعلم} ما يكون قبل أن يكون {وأنتم لا تعلمون} قدر عظمته حيث أشركتم به.
{ضرب الله مثلاً} بيَّن شبهاً فيه بيانٌ للمقصود، ثمَّ ذكر ذلك فقال: {عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء} لأنَّه عاجرٌ مملوكٌ لا يملك شيئاً، وهذا مثَلٌ ضربه الله لنفسه ولمَنْ عُبِدَ دونه. يقول: العاجز الذي لا يقدر أن ينفق، والمالك المقتدر على الإِنفاق لا يستويان، فكيف يُسوَّى بين الحجارة التي لا تتحرَّك، وبين الله الذي هو على كلِّ شيء قدير، وهو رازقُ جميع خلقه، ثمَّ بيَّن أنَّه المستحقُّ للحمد دون ما يعبدون من دونه فقال: {الحمد لله} لأنَّه المنعم {بل أكثرهم لا يعلمون} يقول: هؤلاء المشركون لا يعلمون أنَّ الحمد لي؛ لأنَّ جميع النِّعم مني، والمراد بالأكثر ها هنا الجميع، ثمَّ ضرب مثلاً للمؤمن والكافر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8